الذكاء الاصطناعي: هل هو مُعين أم سارق للإبداع والمعرفة الإنسانية؟
الذكاء الاصطناعي: هل هو مُعين أم سارق للإبداع والمعرفة الإنسانية؟
في خضم النقاشات المتصاعدة حول إمكانيات الذكاء الاصطناعي وتأثيره المتزايد على حياتنا، يبرز سؤال جوهري يتعلق بمصادر هذا الكائن الرقمي الذي يقدم لنا الإجابات والبحوث والمعلومات المختلفة. فمن أين يستقي الذكاء الاصطناعي معارفه؟ وما هي الأسس التي يبني عليها تحليلاته واستنتاجاته؟
إن تشبيه الذكاء الاصطناعي بالكائن الحي الذي يحتاج إلى الماء والطعام والأكسجين يفتح الباب لتساؤلات عميقة حول طبيعة “غذائه” المعرفي. فعندما يطلب طالب بحثًا عن تاريخ مدينة الرياض، ألا يكون كتاب العلامة حمد الجاسر “الرياض عبر أطوار التاريخ” بمثابة المصدر الرئيسي الذي ينهل منه هذا الذكاء؟ وعندما يرغب أحدهم في كتابة رواية عن القاهرة في مطلع القرن العشرين، ألا تكون ثلاثية نجيب محفوظ هي النبع الأصيل الذي يرتوي منه؟ وبالمثل، عند البحث عن تاريخ العراق، أليست مؤلفات العزّاوي والحسني والوردي وغيرهم هي المورد الأساسي لهذه المعلومات؟
هذه الأمثلة البسيطة تقودنا مباشرة إلى صلب قضية بدأت تطفو على السطح وتثير قلقًا متزايدًا في الأوساط الإبداعية والثقافية. فقد تظاهر نحو مائة مؤلف بريطاني أمام المقر الرئيسي لشركة “ميتا” في لندن، متهمين الشركة العملاقة بـ “سرقة” أعمالهم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. الهتافات المنددة ورئيس الشركة، واللافتات التي تحمل عبارات الاتهام، تعكس حجم الاستياء والقلق لدى هؤلاء المبدعين.
يزيد من هذا القلق استخدام “ميتا” المفترض للمكتبة الإلكترونية “ليب جنالتي”، التي تتيح الوصول المجاني المفتوح إلى ملايين الكتب والمقالات العلمية. فإذا كان الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل كبير على هذه المصادر المجانية لتدريب نماذجه، فما هو مصير حقوق الملكية الفكرية لهؤلاء المؤلفين؟ وما هو المقابل الذي سيحصلون عليه مقابل استخدام أعمالهم القيّمة؟
هذا القلق لم يقتصر على المؤلفين فحسب، بل امتد ليشمل الفنانين أيضًا. ففي أواخر فبراير الماضي، ندد أكثر من ألف فنان بريطاني بخطة حكومية تهدف إلى تخفيف القيود المفروضة على قانون حقوق النشر، بهدف تسهيل استخدام شركات الذكاء الاصطناعي للمحتوى الإبداعي.
إن تجريد الذكاء الاصطناعي من حرية الوصول المجاني إلى هذه المقالات والدراسات والكتب يطرح سؤالًا حاسمًا: كيف سيتمكن هذا الكائن الرقمي من تقديم أي نتائج لمستخدميه؟ فالمحتوى الذي يعتمد عليه الذكاء الاصطناعي، سواء كانت كتبًا أو صحفًا أو مجلات أو محتوى مرئي أو مسموع، هو نتاج جهد بشري وملك لأصحابه من أفراد ومؤسسات استثمرت فيه الوقت والمال والجهد. فكيف يجوز للذكاء الاصطناعي أن يستولي عليه بهذه الطريقة؟
صحيح أننا ما زلنا في المراحل المبكرة لوضع القوانين والقواعد الملزمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، لكن هذه الأمثلة والتساؤلات هي مجرد بداية لما هو قادم. فالتحدي القانوني والأخلاقي الذي يفرضه الذكاء الاصطناعي على حقوق الملكية الفكرية يتطلب تحركًا عاجلًا ووضع إطار قانوني واضح يحمي حقوق المبدعين ويضمن استخدامًا عادلاً ومنصفًا لأعمالهم.
ولم نتطرق بعد إلى جانب آخر لا يقل أهمية، وهو تأثير اعتماد المستخدمين على الذكاء الاصطناعي في مجالات الأبحاث الإنسانية والعلوم الاجتماعية والأدب والفن. فهل سيؤدي هذا الاعتماد المتزايد إلى تعويد المستخدمين على البلادة الذهنية، والجفاف الإبداعي، والغرور المعرفي الكاذب؟ إن سهولة الحصول على المعلومات والتحليلات الجاهزة قد يثبط الدافع لدى الأفراد للتفكير النقدي والبحث المستقل وتطوير قدراتهم الإبداعية.
إن الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته إمكانيات هائلة لخدمة البشرية، لكن استخدامه يجب أن يكون مسؤولًا وأخلاقيًا، مع الأخذ في الاعتبار حقوق المبدعين والمحافظة على قيمة الإبداع البشري. إن التوازن بين الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي وحماية حقوق الملكية الفكرية وتعزيز التفكير الإبداعي هو التحدي الأكبر الذي يواجهنا في هذا العصر الرقمي.”