هل ينجو سد مروي من ضربات المسيرات المتكررة؟ وزير سوداني سابق يكشف عن قوة البنية التحتية وخطط الطوارئ وسط قلق متصاعد

0

هل ينجو سد مروي من ضربات المسيرات المتكررة؟ وزير سوداني سابق يكشف عن قوة البنية التحتية وخطط الطوارئ وسط قلق متصاعد

في ظل تصاعد وتيرة النزاع في السودان، بات “سد مروي”، الذي يُعد صرحًا هندسيًا ضخمًا وعصبًا حيويًا لإنتاج الطاقة الكهرومائية في البلاد، يواجه تهديدات أمنية متزايدة وغير مسبوقة. فقد تعرض السد مؤخرًا لعدة هجمات باستخدام الطائرات المسيّرة، مما أثار تساؤلات ملحة وعميقة حول مدى قدرة هذا المشروع الاستراتيجي على الصمود في وجه هذه الاعتداءات المتكررة وتأثيرها المحتمل على استقراره وعمله.

وفي محاولة لتهدئة المخاوف المتزايدة، أوضح الدكتور عثمان التوم، وزير الري السوداني الأسبق، في تصريحات خاصة، أن سد مروي يتمتع ببنية تحتية قوية ومتينة، صُممت خصيصًا لتحمل الضغوط الهائلة. وأشار إلى أن المجرى الرئيسي للنهر، الذي يمثل قلب السد، قد شُيّد باستخدام الخرسانة المسلحة، وهي مادة عالية المقاومة تجعل من الصعب انهياره بشكل كامل نتيجة لضربات الطائرات المسيّرة.

ومع ذلك، لم يستبعد الوزير الأسبق إمكانية تعرض أجزاء أخرى من السد، مثل الأجنحة أو الهياكل الثانوية، لبعض التصدعات أو الأضرار الطفيفة نتيجة لهذه الهجمات. لكنه أكد في الوقت ذاته أن حدوث مثل هذه التصدعات لا يعني بالضرورة انهيارًا شاملاً للسد أو فقدانه لوظيفته الأساسية.

وفي سياق التعامل مع أي أضرار محتملة، كشف الدكتور التوم عن وجود خطة طوارئ مُعدة للتعامل مع مثل هذه السيناريوهات. تتضمن هذه الخطة إجراءات احترازية تهدف إلى تقليل الضغط على هيكل السد ومنع تفاقم الأضرار، وفي مقدمتها خفض منسوب المياه في بحيرة السد إلى مستويات آمنة تقل عن مستوى أي تصدع قد يحدث.

إلا أنه نبه إلى أن تنفيذ هذا الإجراء، على الرغم من ضرورته للحد من الأضرار الهيكلية، قد يؤدي إلى تراجع مؤقت في قدرة السد على إنتاج الطاقة الكهربائية. وأوضح أن هذا التراجع في الإنتاج قد يستمر حتى موسم الفيضان الجديد، حيث يمكن إعادة ملء البحيرة إلى مستوياتها التشغيلية الطبيعية.

وفي سياق متصل، أشار الدكتور التوم إلى أن التصميم الهندسي الحديث للسدود يأخذ في الاعتبار مجموعة متنوعة من التهديدات المحتملة، سواء كانت طبيعية مثل الزلازل والفيضانات والعواصف، أو من صنع الإنسان. وأكد على أن هذه المنشآت الحيوية يتم تدعيمها بمواد بناء متينة وإجراء دراسات هندسية دقيقة لضمان قدرتها على مواجهة الأحمال والضغوط غير المتوقعة.

كما نوّه إلى أن الظروف البيئية القاسية، بما في ذلك الزلازل التي تولد اهتزازات أرضية عنيفة، والفيضانات التي ترفع مناسيب المياه بشكل مفاجئ، والعواصف الشديدة المصحوبة برياح قوية وأمطار غزيرة، تمثل تحديات كبيرة لاستقرار بنية السدود. وأضاف أن الرياح المحملة بالعواصف الرملية أو الثلجية يمكن أن تهدد استقرار المنشآت الهندسية الضخمة.

ولفت الوزير الأسبق إلى أن التغيرات المناخية، مثل فترات الجفاف الطويلة والتصحر، تؤثر بدورها على أداء واستقرار السدود، إما عن طريق خفض منسوب المياه بشكل كبير أو التسبب في فيضانات مفاجئة وغير متوقعة. وشدد على أن سد مروي قد صُمّم بدقة عالية لمواجهة مثل هذه السيناريوهات المتطرفة وضمان استمرار عمله في أصعب الظروف.

وعلى الرغم من هذه التطمينات من الخبير السوداني، فإن الهجمات المتكررة على سد مروي قد ألقت بظلال من القلق على المناطق المحيطة به، حيث يعيش السكان حالة من التوتر والخوف المتزايد. ويخشى الأهالي من أن تؤدي أي ضربة مستقبلية أكثر خطورة إلى كارثة إنسانية حقيقية أو انقطاع واسع النطاق في إمدادات الكهرباء التي يعتمدون عليها في حياتهم اليومية.

وقد عبر محمد الحسن، أحد سكان المنطقة، عن هذا القلق بقوله: “مع كل صوت انفجار، تتسارع دقات القلوب، ونتساءل إن كان هذا اليوم هو الذي سنفقد فيه مصدر أماننا”. وأشار إلى أن الحديث عن خطط إخلاء محتملة بدأ يتردد بين السكان، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعانون منها بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الخدمات الأساسية في مختلف أقاليم السودان.

ويرى العديد من المراقبين أن استهداف سد مروي لا يمثل تهديدًا للبنية التحتية الحيوية للبلاد فحسب، بل يهز أيضًا واحدة من الركائز الأساسية للحياة اليومية لملايين السودانيين الذين يعتمدون على الكهرباء المولدة من السد في منازلهم وأعمالهم.

وفي سياق متصل، أشار مسؤول في وزارة الطاقة السودانية إلى أن القصف الذي تعرض له السد يوم أمس قد أدى بالفعل إلى انقطاع الإمدادات الكهربائية عن أكثر من 10 ملايين مواطن في مختلف أنحاء البلاد، مما يبرز الأهمية الاستراتيجية القصوى لهذا المشروع.

يُذكر أن سد مروي، الذي يُعرف أيضًا باسم “سد الحمداب”، ليس مجرد مشروع مائي ضخم، بل هو رمز للطموح والتطور في السودان. يقع السد على نهر النيل في الولاية الشمالية، بالقرب من مدينة مروي التاريخية، ويُعتبر واحدًا من أكبر المشاريع الكهرومائية في المنطقة. كما يمثل شريان الطاقة الرئيسي الذي يغذي ما يقرب من نصف احتياجات البلاد من الكهرباء، وتبلغ سعته التخزينية للمياه حوالي 12.5 مليار متر مكعب، وقدرته التوليدية للطاقة الكهربائية تصل إلى 1,250 ميغاواط. ومنذ انطلاق العمل في إنشائه عام 2003 وافتتاحه رسميًا في عام 2009، شكّل سد مروي محورًا حيويًا في منظومة الاستقرار الاقتصادي والطاقة في السودان، وأي تهديد له ينعكس بشكل مباشر على حياة الملايين من المواطنين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.