استئناف عمليات زراعة الكبد في مستشفى علياء بالخرطوم
استئناف عمليات زراعة الكبد في مستشفى علياء بالخرطوم.. بصيص أمل يعود للمرضى بعد عامين من التوقف
في خطوة نوعية طال انتظارها، أعلنت إدارة مستشفى علياء التخصصي في الخرطوم، بالتعاون مع جمعية توطين مرض الكبد، عن استئناف برنامج عمليات زراعة الكبد. يمثل هذا الإعلان نقطة تحول حاسمة في قطاع الرعاية الصحية بالبلاد، خاصةً بعد توقف البرنامج لأكثر من عامين، مما ترك مئات المرضى في حالة من اليأس والمعاناة. إن عودة هذه الخدمة الحيوية ليست مجرد خبر طبي، بل هي رسالة أمل للمرضى وعائلاتهم، وتأكيد على قدرة المؤسسات الصحية السودانية على استعادة نشاطها وتقديم أرقى مستويات الرعاية المتخصصة رغم التحديات.
لقد شكل غياب خدمة زراعة الكبد محنة حقيقية للمصابين بأمراض الكبد المزمنة، الذين وجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ فإما مواجهة مصيرهم المحتوم في ظل غياب العلاج، وإما خوض رحلة العناء بحثاً عن بصيص أمل في الخارج. كانت هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر والتحديات، ليس فقط لمرضى أنهكتهم أمراضهم، بل لأسرهم أيضاً الذين تكبدوا أعباءً مالية ونفسية هائلة. فتكاليف السفر والإقامة في بلدان أخرى، بالإضافة إلى النفقات الباهظة للعملية نفسها، كانت غالباً ما تتجاوز قدرة معظم الأسر السودانية، مما جعل العلاج في الخارج حلماً بعيد المنال للكثيرين. هذا الوضع خلق حالة من الإحباط واليأس، وجعل قوائم الانتظار تزداد طولاً مع مرور الوقت.
وفي هذا السياق، يأتي قرار استئناف برنامج زراعة الكبد ليعيد الحياة إلى هذا الأمل المفقود. يؤكد القائمون على المستشفى أن هذه الخطوة هي ثمرة جهود حثيثة وتخطيط دقيق، شملت إعادة تأهيل الكوادر الطبية المتخصصة، وتحديث المعدات الجراحية، وتأمين المستلزمات الطبية اللازمة لضمان نجاح العمليات وفق أعلى المعايير. إن التعاون المثمر مع جمعية توطين مرض الكبد كان له دور محوري في تذليل العقبات اللوجستية والمالية التي حالت دون استمرار البرنامج سابقاً.
إن الرؤية الأوسع لهذه المبادرة هي “توطين” الخدمات الطبية المتقدمة داخل السودان. وهذا يعني أكثر من مجرد إجراء عملية جراحية؛ فالتوطين يشمل بناء القدرات المحلية، وتدريب الأطباء والجراحين والفنيين على أحدث التقنيات، مما يضمن استدامة الخدمة وتقديمها لأكبر عدد ممكن من المرضى في المستقبل. كما يساهم توطين العلاج في تخفيف الضغط على العملة الصعبة التي كانت تستنزف في علاج المرضى بالخارج، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني بشكل عام.
وفي إطار التزام المستشفى بتقديم خدمة شاملة، أكدت الإدارة أن البرنامج الجديد لن يقتصر على الكبار فقط، بل سيشمل أيضاً عمليات زراعة الكبد للأطفال، وهي خطوة هامة جداً نظراً للحاجة الملحة لهذه العمليات في أوساط الأطفال المصابين بأمراض الكبد الخلقية والمزمنة. وتؤكد الإدارة على أن جميع العمليات ستتم تحت إشراف فريق طبي متعدد التخصصات، يضم جراحين متخصصين، وأطباء تخدير، وطواقم تمريض مؤهلة، لضمان سلامة المرضى من بداية التشخيص وحتى مرحلة ما بعد العملية، مع المتابعة الدورية اللازمة لتحقيق أفضل النتائج.
يُعَد استئناف برنامج زراعة الكبد في مستشفى علياء بمثابة شهادة على صمود القطاع الصحي السوداني وقدرته على النهوض مجدداً رغم الصعاب. إنه إنجاز طبي كبير يفتح آفاقاً جديدة للمستقبل، ويؤكد أن الأمل في بناء نظام صحي قوي ومكتفٍ ذاتياً ليس بعيد المنال.